حين زار مهاتير محمد مصر في بدايات الثورة ..
سأله أحدهم في تلك اللحظة الفارقة من تاريخنا عن خلطة ماليزيا السحرية لصناعة التقدم .. حدد الرجل إجابته في كلمة واحدة .. التعليم!
حينها لم أفهم كثيرا المغزى الكامن وراء الكلمات ..
و لكنه الاحتراق بالتجربة الذي أفهمنا الكلمة لاحقا !!
مثل كثير من المصريين كنت متفائلا بأن التغيير السياسي سيفتح الباب لكل مشاريع التطور ..
و لكني أدرك الآن أنه لامتلاك مثل هذا النظام السياسي القادر على الرؤية و الخيال لابد من امتلاك مناخ و وعي مجتمعي قادر على إنتاج مثل ذلك النظام..
النظام المصري المتعاقب هو نظام فاشل بمرارة حتى الآن .. و بذرة الفشل بدأت بعيدا في الزمن منذ رضينا بديكتاتورية عسكرية أسست لنظام قوي ربما.. و لكنها لم تؤسس لدولة حقيقية قادرة على النهوض الحضاري
ففي الوقت الذي امتلك عبدالناصر زمام الحكم..
كانت مصر تمتلك قدرات بشرية و أسس اقتصادية بالإضافة لتقاليد عريقة تؤهلها للنهوض بتسارع رائع ..
كان الإنسان المصري في ذلك الوقت يمتلك عقلا طازجا متفتحا و متدربا على الممارسات الديمقراطية بمهارة...
ربما حقق نظام عبدالناصر بعض المكاسب المؤقتة.. لكن أولوياته كانت هي فرض هيمنته السلطوية على المجتمع و الدولة على حساب بناء الإنسان المصري.. بل سعى حثيثا لهدمه عبر إشاعة مناخ الخوف و الرعب تحت قبضة النظام البوليسي القمعي الرهيب
لقد حيد نظام ناصر أو غيب كثير من المهارات و الكفاءات بسبب الاختلاف السياسي أو لمجرد ضمان الولاء ليزرع ضابطا في كل مؤسسة و هيئة ..
كان الرجل يؤمن أن ضابط جيش مدرب مضمون الولاء.. يستطيع الأداء بأفضل من أي مدني آخر مهما كانت كفاءته .. و كان الحصاد مريرا بتحكم مجموعة من الجنرالات الجهلة بهياكل الدولة مع استثناءات قليلة للغاية مثل الدكتور ثروت عكاشة
في ذات الوقت كانت الهند بلدا فقيرا يموج بمشاكل عرقية و طائفية لا نهاية لها و ماليزيا عبارة عن تجمع لبعض الأعراق تحت إمرة ملك و جنوب كوريا تكافح لأجل البقاء بينما كانت تركيا تكافح لنهوض بدا بعيدا مع القطيعة الرهيبة مع ثقافتها التقليدية!!
و في الوقت الذي كان يبسط فيه ناصر زعامته المحلية باستفتاءات 99% و الإقليمية باتخاذ مواقف ربما بدت ساحرة لكنها كبدتنا الكثير!!
(و كذلك من أتى بعده تفرغوا لذات الممارسة السلطوية لتدعيم أركان سلطتهم)
كان الكوريون -في ذلك الوقت- ينفقون الجزء الأكبر من ناتجهم القومي على التعليم الأساسي..
و ماليزيا بدأت متأخرة نسبيا في استثمار الإنسان و تنمية مهاراته عبر حلم قومي بنهضة ماليزيا عبر التعليم..
بينما أسست الهند لديمقراطية هي الأكبر في العالم الآن (رئيس مسلم و رئيس وزراء سيخي و أغلبية هندوسية .. يا للروعة!!)..
و كافحت تركيا باستثمار كل طاقاتها في بناء نظام ديمقراطي و تعليم مثمر..
لم يكن طريق تلك الدول سهلا ... لكنه كفاح سنين طويلة مع امتلاك الرؤية و الخيال و ميزها نقطتين أساسيتين
- بناء الإنسان و وعيه عبر تعليم متقن و إعلام يدفع في ذلك الاتجاه
- بناء ديمقراطيات راسخة قادرة على التعامل مع التحديات
لكن في مصر..
-يتفرغ الإعلام لتدعيم السلطة و الترويج لها.. و لا يساعد مطلقا في ترسيخ القيم بل يسعى لهدمها أحيانا !!
-و في التعليم نتردى من فشل لفشل أكبر و بإصرار غريب و كأن من يحكمنا ليسوا أبدا من نبت هذه الأرض !!
أقرأ الأبحاث العلمية الكورية و التركية و الماليزية و الهندية في مجال تخصصي فأشعر بفجوة متسعة باضطراد معهم..
و أقابل الأصدقاء الأكاديميين الذين تعلموا أو عملوا في الجامعات هناك و أسمع منهم.. فأشعر بالأسف لحالنا .. !!
و أتذكر المرة الأولى التي دخلت فيها المختبر في جامعتي البرلينية..
شعرت حينها أن التعليم في مصر هو أشبه بمسرحية عبثية و كأننا نمثل أننا نتعلم ..
لم تكن الفجوة أبدا مادية..
و إنما هو افتقاد الإرادة أو حتى الرغبة في صناعة تعليم حقيقي.. و تلك قصة أخرى !!
سأله أحدهم في تلك اللحظة الفارقة من تاريخنا عن خلطة ماليزيا السحرية لصناعة التقدم .. حدد الرجل إجابته في كلمة واحدة .. التعليم!
حينها لم أفهم كثيرا المغزى الكامن وراء الكلمات ..
و لكنه الاحتراق بالتجربة الذي أفهمنا الكلمة لاحقا !!
مثل كثير من المصريين كنت متفائلا بأن التغيير السياسي سيفتح الباب لكل مشاريع التطور ..
و لكني أدرك الآن أنه لامتلاك مثل هذا النظام السياسي القادر على الرؤية و الخيال لابد من امتلاك مناخ و وعي مجتمعي قادر على إنتاج مثل ذلك النظام..
النظام المصري المتعاقب هو نظام فاشل بمرارة حتى الآن .. و بذرة الفشل بدأت بعيدا في الزمن منذ رضينا بديكتاتورية عسكرية أسست لنظام قوي ربما.. و لكنها لم تؤسس لدولة حقيقية قادرة على النهوض الحضاري
ففي الوقت الذي امتلك عبدالناصر زمام الحكم..
كانت مصر تمتلك قدرات بشرية و أسس اقتصادية بالإضافة لتقاليد عريقة تؤهلها للنهوض بتسارع رائع ..
كان الإنسان المصري في ذلك الوقت يمتلك عقلا طازجا متفتحا و متدربا على الممارسات الديمقراطية بمهارة...
ربما حقق نظام عبدالناصر بعض المكاسب المؤقتة.. لكن أولوياته كانت هي فرض هيمنته السلطوية على المجتمع و الدولة على حساب بناء الإنسان المصري.. بل سعى حثيثا لهدمه عبر إشاعة مناخ الخوف و الرعب تحت قبضة النظام البوليسي القمعي الرهيب
لقد حيد نظام ناصر أو غيب كثير من المهارات و الكفاءات بسبب الاختلاف السياسي أو لمجرد ضمان الولاء ليزرع ضابطا في كل مؤسسة و هيئة ..
كان الرجل يؤمن أن ضابط جيش مدرب مضمون الولاء.. يستطيع الأداء بأفضل من أي مدني آخر مهما كانت كفاءته .. و كان الحصاد مريرا بتحكم مجموعة من الجنرالات الجهلة بهياكل الدولة مع استثناءات قليلة للغاية مثل الدكتور ثروت عكاشة
في ذات الوقت كانت الهند بلدا فقيرا يموج بمشاكل عرقية و طائفية لا نهاية لها و ماليزيا عبارة عن تجمع لبعض الأعراق تحت إمرة ملك و جنوب كوريا تكافح لأجل البقاء بينما كانت تركيا تكافح لنهوض بدا بعيدا مع القطيعة الرهيبة مع ثقافتها التقليدية!!
و في الوقت الذي كان يبسط فيه ناصر زعامته المحلية باستفتاءات 99% و الإقليمية باتخاذ مواقف ربما بدت ساحرة لكنها كبدتنا الكثير!!
(و كذلك من أتى بعده تفرغوا لذات الممارسة السلطوية لتدعيم أركان سلطتهم)
كان الكوريون -في ذلك الوقت- ينفقون الجزء الأكبر من ناتجهم القومي على التعليم الأساسي..
و ماليزيا بدأت متأخرة نسبيا في استثمار الإنسان و تنمية مهاراته عبر حلم قومي بنهضة ماليزيا عبر التعليم..
بينما أسست الهند لديمقراطية هي الأكبر في العالم الآن (رئيس مسلم و رئيس وزراء سيخي و أغلبية هندوسية .. يا للروعة!!)..
و كافحت تركيا باستثمار كل طاقاتها في بناء نظام ديمقراطي و تعليم مثمر..
لم يكن طريق تلك الدول سهلا ... لكنه كفاح سنين طويلة مع امتلاك الرؤية و الخيال و ميزها نقطتين أساسيتين
- بناء الإنسان و وعيه عبر تعليم متقن و إعلام يدفع في ذلك الاتجاه
- بناء ديمقراطيات راسخة قادرة على التعامل مع التحديات
لكن في مصر..
-يتفرغ الإعلام لتدعيم السلطة و الترويج لها.. و لا يساعد مطلقا في ترسيخ القيم بل يسعى لهدمها أحيانا !!
-و في التعليم نتردى من فشل لفشل أكبر و بإصرار غريب و كأن من يحكمنا ليسوا أبدا من نبت هذه الأرض !!
أقرأ الأبحاث العلمية الكورية و التركية و الماليزية و الهندية في مجال تخصصي فأشعر بفجوة متسعة باضطراد معهم..
و أقابل الأصدقاء الأكاديميين الذين تعلموا أو عملوا في الجامعات هناك و أسمع منهم.. فأشعر بالأسف لحالنا .. !!
و أتذكر المرة الأولى التي دخلت فيها المختبر في جامعتي البرلينية..
شعرت حينها أن التعليم في مصر هو أشبه بمسرحية عبثية و كأننا نمثل أننا نتعلم ..
لم تكن الفجوة أبدا مادية..
و إنما هو افتقاد الإرادة أو حتى الرغبة في صناعة تعليم حقيقي.. و تلك قصة أخرى !!
Post by Abdou Alterkawi.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق