الأربعاء، 21 يناير 2015

افتحوا الأبواب لتدخل السيدة من ينشغل بحزنه على فقد المحبوب ينشغل...





افتحوا الأبواب لتدخل السيدة

من ينشغل بحزنه على فقد المحبوب ينشغل عن المحبوب. الآن أطلب من حزنى أن يتجه إلى أقرب بوابة ويغادر هادئا كما أشاء أو هادرا كما يشاء لكن دون أن يلفت الأنظار. لا يعجبنى جوعه ولا تلكؤه، أكاد أكرهه تحديدا لهذا السبب، كأنه حزن لا يثق بنفسه وكأنه إن اكتفى اختفى، وكأننا لم نشاركه مقعده ومخدته ومنديله وملمس حذائه على زجاج ساعاتنا.

لست أنت المهم اليوم ولا أنا أيها الحزن، أنا منشغل بها لا بك أنت. بسعيها العسير للنصر فى مواجهات زمانها، واجهت السرطان خمسة وثلاثين عاما ومحدوثوها لا يرون فى حديقة لقائها إلا أشجار السرور وفاكهة السماح والرضا. واجهت السائد المتفق عليه والطاغية المسكوت عنه وواجهت، حتى الرمق الأغلى، ركاكة الناطقين باسمنا، وركاكة الضوء المشترى وركاكة الكلام وطقوس الهوانم. هى التى جعلت لقلبها يدا منصفة تصافح الأضعف وتصفع جملة الطاغية وشبه جملته، يدا تسهر الليالى لتصحح الواقع والامتحان.

هى التى جعلت هشاشتها اسما آخر للصلابة. هى التى علمت الديكتاتور كيف ترفض انتباهه المشبوه لقيمتها، وفى سلة مهملات واسعة قرب حذائها الصغير (نمرته خمس وثلاثون) ترمى المناصب السمينة المعروضة والألقاب الرفيعة المقترحة ودعوات الحظيرة/ القصر التى يهرول إليها سواها، مكتفية بفرح القارئ ببرق السطور من يدها وفرح الطالب ببرق المعرفة من عينيها، هى الأستاذة صوتها ينادى أصوات طلابها لا آذانهم، لأن صوتها يُسمع ويَسمع. ولأنها لم تسع إلى أى ضوء، غدت بذاتها ضوءا فى عتمة البلاد، وضوءا بين أغلفة الكتب وضوءا من أضواء اللغة العربية التى هى البطل الدائم والأول فى رواياتها.

أخرج من أقرب بوابة يائسة أيها لحزن، ودعنى أستبدل بك ابتسامتها التى تذهب حزن الرائى، فابتسامتها رأى. وموضع خطوتها رأى. وعناد قلبها رأى. وعزلتها عن ثقافة السوق رأى، ودائما جعلت رأيها معروفا موقعا بإمضائها رغم زوار الفجر وفجور طاغية يروح وطاغية يجىء. رضوى جمال رأيها ورأيها جمالها. فالمظلوم يخسر إن لم يكن فى جوهره أجمل من الظالم. وهى لم تخسر جمالها حتى وهم يؤذونها بقبحهم ولم تخسر جمالها حتى وهى على مخدتها الأخيرة.

سيدة قليلة الجسد يتعبك تتبع خطاها، تهدم السور الفاصل بين الجامعة وعموم الناس، تظنها على مرتفعها الأكاديمى فتراها على أسفلت الميدان ذائبة فى تدافع التحرير العظيم والكدمات التى توجعها توجع الطاغية قبلها، تظنها فى همس القصيدة وهدأة الإيقاع، فتراها فى صرخة التاريخ الخارج توا من يد القابلة وأرحام الشوارع. وتظنها فى شوارع وسط البلد فتلقاها فى غيوم غرناطة وتظنها تجلس مع أبى جعفر تجلّد الكتب بخطوط الذهب، أو تدبر الحيل المذهلة مع مريمة، فتلقاها تأخذ بيدك إلى شاطئ الطنطورة وتقول لك ضع قلبك هنا، ودعه هنا، وارسم غدك من هنا، كى تعود إلى هنا، إلى الساحل الأول. لم يأخذها اليأس إلى وضوحه المغرى، لأنها تعلم أن الثورة لا تنتصر إلا بعد أن تستكمل كل أشكال الخيبة. ولم تمنحنا أملا كاذبا، بل دعت نفسها ودعتنا للتحمل. وتحملت. وعلى عصا المجاز وعصا خشب البلوط، واصلت السير فى طريقها الطويل، تختصره بالرفقة. والرفقة جيل أحبها وأحبته، جيل قادم بصباياه وشبابه (الحلوين كما تصفهم دئما) يصعد جبل السؤال والمساءلة، والبحث عن الحقيقة تحت كومة القش الرسمى، جبل الفضول العظيم الذى وحده يزيد العيون اتساعا والعمود الفقرى استقامة. جيل يرى أن الثوابت ما خلقت إلا لكى نرجها رجا ونهتك مها ما يستحق الهتك، حتى نعرف الفرق العظيم والقاسى بين الوراء والأمام.

تنشق فى أول العمر عن ثوابت الجدود والنص، والتعاليم. تمزق العباءة الموحدة المقترحة لكل أجسادنا لأنها تحترم الجسد لا العباءة، تنقد بدراساتها المدهشة كتب الإبداع وبإبداعها المدهش تنقد العالم، وتصعد. أتركوا الأبواب مفتوحة، ليخرج الحزن. ولتدخل السيدة. وقع خطاها خفيف وأكيد على هذا الدرج. إننى أسمعه يقترب. رضوى عاشور جزء مما سيصنعه هذا الجيل فى أيامه الآتية وهو جزء مما صنعته فى أيامه الماضية.

أثقل من رضوى ما تركتنا له وما تركته لنا.

رضوى عاشور تركتنا بعدها لا لنبكى بل لننتصر.

تركتكم بعدها لا لتبكوا بل لتنتصروا.






via Tumblr http://ift.tt/1AMiNxU

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق