الخميس، 31 أكتوبر 2013

عن سوريا ..

في النظر قليلا بعيدا عن هموم الكوكب المصري

أفتى خطيب الجمعة للناس بجواز أكل القطط و الكلاب .. 
كان ذلك في مخيم الزعاترة السوري قبل عدة أسابيع!!

الآن تتواتر الحكايات عن تجويع حقيقي للناس في أنحاء سوريا عبر فرض النظام حظر خانق يعوق منع مرور أي مواد غذائية..
تأتي الصور مفجعة عن طفل ميت في الطريق من الجوع أو سيدة تطهو قطة لابنها ..
هذا عار لا أعرف كيف تتحمله الإنسانية .. بينما يتواطأ العالم بكل دناءة ليحدث كل ذلك !!

الجرائم التي تحدث في سوريا تفوق الوصف !!
هذا السفاح أصبح ينافس نفسه فقط في مستوى السفالة و الإجرام بعد أن تجاوز كل مستويات الحقارة لأمثاله عبر التاريخ!!

ما يحز في نفسي هو موقفنا المخزي في مصر !!
لم نستطع دعم السوريين في ثورتهم .. ربما لأسباب مفهومة فنحن خذلنا أنفسنا أيضا ..
لكن تحول الشعور المصري للنقيض في ليلة واحدة ليقاسي السوريون الأمرين في مسألة المعيشة و تجديد الإقامات و الترحيل الجبري و الاتهامات بالأخونة .. هو عار لا أعرف كيف نتحمله!!

كان لي صديق يريد الذهاب لمصر فقط للاطمئنان على عائلته فوجد إجراءات الفيزا تحول دون سفره بعد كان تم إلغائها .. ثم رحل أهله عن مصر مشتتين بعد أن ضاقت بهم أرضها.. 
بينما استطاع صديق آخر السفر فقط لأنه يحمل جواز سفر ألماني!!

أعرف عائلات مصرية و أصدقاء أتاحوا بيوتهم للسوريين بلا مقابل .. بينما تشدد الحكومة الخناق على السوري و من يساعده و الاتهامات تلاحق الجميع

كان الاعتقاد أن مصر تمثل الخيار الأفضل للسوريين متوسطي الحالة الاقتصادية..
فعندنا ثورة نستطيع بها تفهم ظروفهم فضلا عن رخص الحياة النسبي .. 
بينما لبنان غالية المعيشة و السوريون لا يجدونه مكانا مريحا نظرا لممارسات جيش الأسد البربرية في فترة الاحتلال لجنوب لبنان و اغتيال الحريري
أما أوروبا فمثلت فرصة للقادرين ماديا .. و أولئك اللذين يمتلكون مغامرة اجتياز المحيط للحصول على اللجوء !!
أما الفقراء فلهم الله في مخيمات اللاجئين الممتدة على الحدود
في ألمانيا..
المعروفة بتشدد قوانين الإقامة و العمل فيها .. اتسعت قوانينها لتستوعب العدد الأكبر و تتساهل في إعطاء اللجوء و إقامات العمل .. السوريين الذين توقف تمويلهم من الحكومة السورية حصلوا على منح و ميزات استثنائية في نوعية الإقامات ليتمكنوا من العمل !!

اليوم أقابل زميلا سوريا فقد نصف عائلته (من دمشق) ..منحته الحكومة فيزا عمل حرة كإجراء استثنائي (لا يمكن منحه للطلبة) .. 
و آخر (من حمص الجريحة)حصل على منحة كاملة بعد قطع الحكومة السورية لتمويله..
بينما استطاع آخرون استقدام عائلاتهم بشروط ميسرة

هكذا تتعامل الدول مع الحالات الإنسانية رغم الموقف السياسي المخزي أيضا للحكومة الألمانية ..
لكن حكومة مصر جمعت بين الإثنين موقف سياسي مخزي و عار في تبني الموقف الإنساني..

هم أخوة لنا لو نتذكر !!

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=253942691420062&set=t.1071283736&type=1&theater



الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

الغربة و حكاياتها

تكسب الغربة الإنسان أحيانا بعض العادات السيئة .. 
مثلا شرب القهوة بالحليب صباحا بدل كوب الشاي الأثير.. 
تتعب كثيرا لتجد كوب الشاي المصري الأصيل هنا!!

افتقاد خاصية الفضول.. 
فمثلا لا تهتم إطلاقا حتى لو كان جارك في القطار حالق نص شعره و صابغ الباقي أخضر و مركب عشر حلقان في وجهه !!
يتحول المرء لجزيرة سابحة منعزلة فيى المحيط اللا نهائي .. افتكرت إنيمي Wall E

عدم الاندهاش.. 
عندما يكون السؤال و أنت تسجل بياناتك في السجل المدني هنا (اسمه Rathaus ترجمته الحرفية بيت المشورة .. يا سلام على الاسم) !!
هو انت عندك دين ؟ 
بدلا من السؤال التقليدي في مصر ديانتك إيه؟
عندما سألتني الموظفة أول مرة و وجدتني انظر بغرابة .. اعتذرت بشدة (افتكرتني من كارهي فكرة الأديان السالبة إرادة البشر و حريتهم).. فشرحت لها الموقف لينتقل الاستغراب إليها!!
الغريب بعد كل ده إن الإسلام طلع مش دين معترف بيه و وضعته تحت خانة أديان أخرى.. هكذا ببساطة !!
لا العبد الفقير خسر دينه و لا ألمانيا كسبت بنط في العلمنة.. !!

و ارجع افتكر استاذ في الجامعة و هو يشرح أحد العمليات الحيوية المعقدة و يتحدث عن إنشاء الطبيعة لها..
و يجدني سارحا في التفكير العميق .. كانت أول مرة أحضر التعبير دا لايف..
فيبتسم و يقول و البعض يؤمن بأنها من صنع الإله.. و اللاهوت مش موضوعنا يا جماعة !!

الإيمان بنظرية داروين في الوسط الأكاديمي هنا مثل اتيكيت الشوكة والسكينة.. بتفقد مهابتك بمجرد الانضمام للدهماء المؤمنين لا زالوا بالغيبيات !!

المهم..
بكتب الكلام في القطار و جواري شاب متحمس و يبدو أنه في يومه الأول في التبشير .. يحاول إقناعي أن الله موجود !! 
جاريته فى اللعبة و حجج النقاش و الغيظ يكاد يقفز منه..
و أفاجئه..و بعدين يا عم الحاج .. مش تسأل الأول هو أنت عندك دين ؟! أنا مسلم 
و يجاوبني بابتسامة هانئة .. المهمة إذا أسهل .. لا زال هناك مؤمن آخر على هذه الأرض!!
و يأخذ النقاش وجهة أخرى تماما..

***

عندما استرسلت مع صاحبنا في الحكاية انتقل الحديث لمنطقية وجود الخالق .. رغم إن إيمانه مبني على التسليم دون دخول في العمق .. و حينها جرنا الحديث لماهية الخالق .. و ذكرت له شبئا طريفا قرأته من قبل ل دان براون: عن أن الكلمة أصبحت جسدا (في الاعتقاد السائد) فأصبح تصور الخالق في شكل محسوس مقبولا في اللاهوت المسيحي ..
لكن عند المسلمين لم تتجسد الكلمة و لذا لا يمكن تصور تجسيد الخالق في صورة بشر .. لكن ذلك لا ينفي الإيمان المشترك بالخالق مع الاختلاف في مساحة الاعتقاد و الفهم ..
و رغم ما بدا قبولا مته .. إلا أني اكتشفت أن دان براون مكروه هناك بشدة..

كانت نقاشاتي مع الزملاء تأخذ المنحى الصدامي دائما بين وجهتي نظر مؤمنة و ملحدة و محاولات نقاش عقيمة في الإثبات المتبادل !!
لكني أتذكر واحد من أروع النقاشات مع زميل ألماني كاثوليكي متدين يداوم و صديقته على خدمة الرب و يخططان للزواج بمجرد انتهاء الدراسة و هذا نادر هنا للغاية (كانا يحتفظان بعلاقة تفليدية مستغربة هنا)
كان نقاشنا عبارة عن تغريد مشترك في مساحة الطمأنينة و إعطاء الحياة معنى كبيرا بتخيل ما بعدها مهما اختلفت الديانات .. و أصول نشأة الأديان كانت جزءا شيقا لنصل معا بأن المنبع يبدو واحدا و ان اختلفت مسارات العيون

لا زلت أردد .. الحرية شيء مبهر يسع الجميع :)


الاثنين، 28 أكتوبر 2013

نقاشات الغربة..

طاولة النقاش
حين تجمعنا طاولة النقاش نحن أهل الشرق ينتهي الحوار بزفرة حارة عن همومنا المشتركة في الاستبداد و غياب العدالة و الحرية ..

تزداد الحسرة حين نكون كلنا من دول إسلامية تعاني ذلك الانفصام بين مباديء سامية نعتقد بها و واقع مؤسف بين الجهل و الأزمات الاقتصادية و السياسية و الحروب

تكون مصيبة أخرى حين نكون فقط من أرض العرب التي تعاني تخمة الشعارات الضخمة مع الواقع المزري.. 
و هنا ترتفع الأصوات و تعلو الكراسي .. و ربما تأتي الشرطة (الغربية) لتفك الارتباط !!

#زفرة_طويلة_حانقة



Post by Abdou Alterkawi.


بعد الخطيئة..
الغريب أن مصر مرحب بها في كل مكان.. 
كونك مصري يمثل عامل جذب لأحاديث شيقة ترتفع فيها الشيفونية المصرية لعنان السماء..
لم أواجه تلك الخبرة السيئة التي يتحدث عنها البعض إلا مع بعض الأخوة العرب و هذا يمكن تفهمه تماما

معظم من زاروا مصر عادوا بذكريات جميلة إلا حالة واحدة ربما .. و برده جبت الغلط عليها 

حتى أستاذي كان يتفاعل معنا بشدة و يغفر لي غيابي الدائم عن المختبر أيام الثورة و نحن نهتف في برد يناير..
ليسلم علي بحرارة بعدها و يخبرني أنه كان يشاهد الجزيرة الانجليزية طوال الوقت و أنه لم ير أبدا ثورة مبهجة و على الهواء مثل هذه !!

الآن .. و قد قابلني ذلك العجوز الألماني في محطة الأتوبيس ليلومني على كل شيء و هو يشعر بالخيانة.. كيف تعطوننا كل ذلك الأمل ثم تقتلون بعضكم ببساطة هكذا في الشوارع .. كان يبكي و كان ألمي أكبر من قدرة الكلام ..
الآن ينظرون لنا كبشر عاديين يقترفون الخطايا..
و لا حضارة يدرسها العالم نفعت و لا طيبة أهل المحروسة فادت !!

تذكرت حينها الأصدقاء المسلمين من شرق آسيا و هم يشرحون لنا احترام مجتمعهم الشديد للعرب فهم نسل الرسول و الصحابة .. فما إن عاملوهم حتى اكتشفوا أنهم بشر تغلب عليهم الخطيئة .. و تحطمت الأسطورة !!
#مجرد_كلام بعد نقاش طويل

Post by Abdou Alterkawi.


شيفوني :)
و لأن البوست اللي فات عن مصر أثار الشجون .. فتذكرت الحكاية اللطيفة دي

حدث أن زارنا من السويد زميل سوري عزيز.. 
و تناقشنا كثيرا و أعرف إلى أين هو يريد أن يذهب في النقاش ولا أعطيه ما يريد.. 

ثم إذ فجأة ينفجر و يقول يا أخي جننتونا بمصر .. الأدب في مصر و الفن في مصر و التاريخ في مصر ..
زميلي مصري قبطي مولود في السويد و أزوره في بيته ألاقي الكلام مصري و الأكل مصري و التليفزيون مصري..
و أبوه يسمع ( بتشديد السين) لأم كلثوم و يقول الله .. 
و أرد بغيظ يا حاجي دا أنت خارج منها بالعافية .. 
يقول يا بني دي مصر .. يا سلام على مصر .. و زي ما أبونا مصر وطن يعيش فينا .. الله ياست .. قولي يا سومة

و يستمر الصديق في الحكاية بغيظ .. 
و أنا ابتسم برضا كامل و أردد: يا سلام .. لولا بعض الوشوش العكرة .. دي مصر برده مهما كان 

#فضفضة_شيفوني_مصري
#مصري_والأمر_لله


دلالة رابعة


السلطة تحاول تصنيف علامة رابعة زي علامة النازية كدا ..رمز مكروه
و مش عارف إزاي ممكن تنجح سلطة فاشية في محاربة رمز دلالته الإنسانية أعمق كثيرا من المدلول السياسي

علامة رابعة مثلت متنفس للمتمسكين بإنسانيتهم و رفضهم لفض اعتصام رابعة بهمجية و قتل المئات حتى لو اختلفوا معهم .. و بدون أن يكون لهم بالضرورة أي موقف سياسي

علامة رابعة مثلت بديل لبعض المعارضين للانقلاب العسكري .. بدون أن يكونوا بالضرورة أخوان أو مؤيدين لعودة مرسي

المثير للتأمل إن علامة رابعة فنيا مبهرة .. اليد الإنسانية شامخة بلونها الأسود حزنا على الضحايا و اللون الأصفر عامل جاذب للنظر و يدفع للاستفسار
الكل شاف رفع الأصبعين بعلامة النصر
فلما يشوفوا علامة الأربعة يأتي لذهنهم مباشرة رموز الحركات التحررية و من هنا تبدأ أسئلة تنتهي غالبا برفع علامة رابعة !!

القمع السلطوي الغبي وفرقعات زي إيقاف اللاعب محمد يوسف و سحب الميدالية الذهبية منه .. دي فضيحة عالمية..
و تمثل أكبر داعم لانتشار علامة رابعة .. تعمل إيه في الغباء السلطوي .. داء وما لوش علاج !!



من ويكيبديا
http://goo.gl/M7yGZV


السبت، 26 أكتوبر 2013

سرور..

عن رواية سرور


تذكرت فيمن تذكرت و أنا أقرأ هذه الرواية المرهقة الممتعة الأستاذ مهران

كان صعيديا يفلح الأرض القاسية في بلدته فلا تتشقق و الشمس حارقة تلسع جبينه الأسمر.. فينظر إلى السماء بغضب .. ثم تتلقفه لاحقا أحضان القاهرة بيسارها المفعم بعبق الشعارات.. لكنها تظل كلمات ليس إلا !!
..و هكذا أجاد مهران الشعر عن الحب و العدل و الثورة..
كان يحكي لي كيف كان يقرأ قصائد نزار و مظفر النواب و سرور و يحفظها العمال معه من التكرار و هم (يفحتون) الأرض ثم يرددونها و هم متدثرين بأكواب الشاي الأسود في برد يناير..

أعود للقاهرة بعد سنين و أتتبع مسار مهران لأجده شيخا خمسينيا اختار طريق العودة للإله بعد تكسر النصال على النصال و تسرب الحلم في الفردوس الأرضي لصالح الرضا بحلم يظل متجددا أبدا في الفردوس السماوي..!!
***

اختار نجيب سرور طريقا آخر .. 
أحب كلماته لدرجة الوله.. و كره واقعه المزخرف بالنخاسين و المطبلين و أصحاب المؤخرات الفخيمة (كما يقول) .. 
فلم يتصالح معه أو يجاريه لكنه اختار (طوعا أو كرها).. أن يكون على حافة الجنون متغنيا بهاملت و دون كيخوته و أبي العلاء المعري و لاعنا عصر المماليك و العسكر و هيكل ..

***
آه يا بنى يا ورده لسـه منوره ع الغصن..
أوعى الخيانة يا كبدي أوعى م الأندال 

الفن أصبح خيانة والخيانة فن .. 
شوف الشوارع وقوللى فيها كام تمثال . 
***

و هذا ما أبدعه طلال فيصل -بمهارة صانع الكلمات- تاركا لنا مغامرة التخبط بين عالمي الحقيقة و الوهم على طول الرواية!!
شغل نجيب سرور الناس في زمانه بإبداعه الرائع في المسرح الشعري:

***
أما يا امّا شفت حـــــــلم ..
حلم غريب يخوف 
شفتني قال راكبة مركب ..
ماشيه يا امّا في بحر واسع
زي غيط غلة وموجه عال .. 
بحر مش شايفاله بر
قال وايه عماله اجدف .. 
والمراكبي ابن عمي 
***

أو هو كما قال سرور يوما:
الشـعر مـش بس شعر لو كـان مقـفى وفصيح.. 
الشعر لو هز قلبك.. وقلبى.. شعر بصحيح!

ثم جاءت محنته القاسية و دخوله مستشغى العباسية ثم كتابته عمله الأكثر شهرة بفضحه لرجال عصره و ببذاءة نادرة ..
عشق سرور شعر المعري و اعتبر نفسه من كتيبته الخرساء ممن لم تطب لهم الحياة فطابت منهم الملاحم و الأفكار ..

و لأن الرواية تتراكم لتخرج من كل راوي حكاية مختلفة تبعا لذاكرته المتداخلة و وقوفه في أي جانب (هنا تصبح الحكايات كلها صادقة رغم كونها متناقضة)

يتقمص طلال شخصية كل راو و أسلوبه بمهارة فائقة فلا تتبين خيط الحقيقة من الخيال
رواية زوجتيه ساشا و مشيرة ..
ثم بورتريه نجيب محفوظ و كأنه هو ثم د.جلال الساعي الطبيب الحالم بجنة الأدب..
ثم طلال نفسه و حكايته المتدثرة في الرواية و لا أتبين أسلوبه مقارنة بحكاياته اللطيفة في سيرة مولع بالهوانم إلا بإشارة لطيفة لها في حواره مع د. إيثار (أنا رجل مولع بالهوانم من قديم)

راقني ذلك الحديث عن طيب الذكر هيكل في مقال سرور .. 
ظللت أقهقه كثيرا (كما تقول كتب الأدب) و أنا أتخيل الأستاذ يقرأ وصف نجيب سرور لمصطلحاته فهو يحدد مثلا مصدر مصطلح النكسة بعبثية رائقة ..
انتقم سرور مسبقا لجيلنا الذي لا زال يكتوي بمصطلحات الكاهن في عمره التسعيني المديد!!

لكنها كانت من أثقل أجزاء الحكاية على النفس .. و رغم جمال الأسلوب يخرج المرء من ذلك الوهم عن المؤامرة الكونية المحاكة ضد سرور راثيا لذلك الكاتب و مشفقا عليه من كل تلك الأفكار الخانقة .. !!
كيف تعايش مع كل تلك الأوهام ؟!!

***
قد آن ياكيخوت للقلب الجريح
أن يستريح ،
فاحفر هنا قبراً ونم
وانقش على الصخر الأصم :
" يا نابشا قبرى حنانك ، ها هنا قلبٌ ينام ، 
لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام ،
هذى العظام حصاد أيامى فرفقاً بالعظام. 
أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان
إن عد فرسان الزمان
لكن قلبى كان دوماً قلب فارس
كره المنافق والجبان
مقدار ما عشق الحقيقة. 
***

كانت خاتمة بديعة تلك التي جعلها فيصل على لسان صاحب الكتيبة الخرساء أبوالعلاء المعري
(أشيروا عليه أن يجعلها رواية و هو فن ينتشر في زمانهم يبدأ من الحقيفة و ينتهي عند التوهم أو يبدأ من التوهم و ينتهي عند الحقيقة..
و أشيروا عليه بأن يصدرها بأبياتنا:
لا تظلموا الموتى و إن طال المدى .. إني أخاف عليكمو أن تلتقوا).

***
هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطوله !!
رحم الله سرور .. و شكرا Talal Faisal

سرورسرور by طلال فيصل
My rating: 4 of 5 stars

تذكرت فيمن تذكرت و أنا أقرأ هذه الرواية المرهقة الممتعة الأستاذ مهران

كان صعيديا يفلح الأرض القاسية في بلدته فلا تتشقق و الشمس حارقة تلسع جبينه الأسمر.. فينظر إلى السماء بغضب .. ثم تتلقفه لاحقا أحضان القاهرة بيسارها المفعم بعبق الشعارات.. لكنها تظل كلمات ليس إلا !!
..و هكذا أجاد مهران الشعر عن الحب و العدل و الثورة..
كان يحكي لي كيف كان يقرأ قصائد نزار و مظفر النواب و سرور و يحفظها العمال معه من التكرار و هم (يفحتون) الأرض ثم يرددونها و هم متدثرين بأكواب الشاي الأسود في برد يناير..

أعود للقاهرة بعد سنين و أتتبع مسار مهران لأجده شيخا خمسينيا اختار طريق العودة للإله بعد تكسر النصال على النصال و تسرب الحلم في الفردوس الأرضي لصالح الرضا بحلم يظل متجددا أبدا في الفردوس السماوي..!!
***

اختار نجيب سرور طريقا آخر ..
أحب كلماته لدرجة الوله.. و كره واقعه المزخرف بالنخاسين و المطبلين و أصحاب المؤخرات الفخيمة (كما يقول) ..
فلم يتصالح معه أو يجاريه لكنه اختار (طوعا أو كرها).. أن يكون على حافة الجنون متغنيا بهاملت و دون كيخوته و أبي العلاء المعري و لاعنا عصر المماليك و العسكر و هيكل ..

***
آه يا بنى يا ورده لسـه منوره ع الغصن..
أوعى الخيانة يا كبدي أوعى م الأندال

الفن أصبح خيانة والخيانة فن ..
شوف الشوارع وقوللى فيها كام تمثال .
***

و هذا ما أبدعه طلال فيصل -بمهارة صانع الكلمات- تاركا لنا مغامرة التخبط بين عالمي الحقيقة و الوهم على طول الرواية!!
شغل نجيب سرور الناس في زمانه بإبداعه الرائع في المسرح الشعري:

***
أما يا امّا شفت حـــــــلم ..
حلم غريب يخوف
شفتني قال راكبة مركب ..
ماشيه يا امّا في بحر واسع
زي غيط غلة وموجه عال ..
بحر مش شايفاله بر
قال وايه عماله اجدف ..
والمراكبي ابن عمي
***

أو هو كما قال سرور يوما:
الشـعر مـش بس شعر لو كـان مقـفى وفصيح..
الشعر لو هز قلبك.. وقلبى.. شعر بصحيح!

ثم جاءت محنته القاسية و دخوله مستشغى العباسية ثم كتابته عمله الأكثر شهرة بفضحه لرجال عصره و ببذاءة نادرة ..
عشق سرور شعر المعري و اعتبر نفسه من كتيبته الخرساء ممن لم تطب لهم الحياة فطابت منهم الملاحم و الأفكار ..

و لأن الرواية تتراكم لتخرج من كل راوي حكاية مختلفة تبعا لذاكرته المتداخاة و وقوفه في أي جانب (هنا تصبح الحكايات كلها صادقة رغم كونها متناقضة)

يتقمص طلال شخصية كل راو و أسلوبه بمهارة فائقة فلا تتبين خيط الحقيقة من الخيال
رواية زوجتيه ساشا و مشيرة ..
ثم بورتريه نجيب محفوظ و كأنه هو ثم د.جلال الساعي الطبيب الحالم بجنة الأدب..
ثم طلال نفسه و حكايته المتدثرة في الرواية و لا أتبين أسلوبه مقارنة بحكاياته اللطيفة في سيرة مولع بالهوانم إلا بإشارة لطيفة لها في حواره مع د. إيثار (أنا رجل مولع بالهوانم من قديم)

راقني ذلك الحديث عن طيب الذكر هيكل في مقال سرور ..
ظللت أقهقه كثيرا (كما تقول كتب الأدب) و أنا أتخيل الأستاذ يقرأ وصف نجيب سرور لمصطلحاته فهو يحدد مثلا مصدر مصطلح النكسة بعبثية رائقة ..
انتقم سرور مسبقا لجيلنا الذي لا زال يكتوي بمصطلحات الكاهن في عمره التسعيني المديد!!

***
وقلنا ننضف بقى قالوا بلا وكسـه .. واللـه لتحصل بدال النكسه ميت نكسه
***

لكنها رغم ذلك كانت رواية سرور من أثقل أجزاء الحكاية على النفس .. و رغم جمال الأسلوب يخرج المرء من ذلك الوهم عن المؤامرة الكونية المحاكة ضد سرور راثيا لذلك الكاتب و مشفقا عليه من كل تلك الأفكار الخانقة .. !!
كيف تعايش مع كل تلك الأوهام ؟!!


***
قد آن ياكيخوت للقلب الجريح

أن يستريح ،

فاحفر هنا قبراً ونم

وانقش على الصخر الأصم :

" يا نابشا قبرى حنانك ، ها هنا قلبٌ ينام ،

لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام ،

هذى العظام حصاد أيامى فرفقاً بالعظام .

أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان

إن عد فرسان الزمان

لكن قلبى كان دوماً قلب فارس

كره المنافق والجبان

مقدار ما عشق الحقيقة .
***

كانت خاتمة بديعة تلك التي جعلها فيصل على لسان صاحب الكتيبة الخرساء أبوالعلاء المعري
(أشيروا عليه أن يجعلها رواية و هو فن ينتشر في زمانهم يبدأ من الحقيفة و ينتهي عند التوهم أو يبدأ من التوهم و ينتهي عند الحقيقة..
و أشيروا عليه بأن يصدرها بأبياتنا:
لا تظلموا الموتى و إن طال المدى .. إني أخاف عليكمو أن تلتقوا).

***
هو لم يمت بطلاً ولكن مات كالفرسان بحثاً عن بطوله !!
رحم الله سرور .. و شكرا طلال فيصل


View all my reviews

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

ندوة صنع الله إبراهيم ..و العلوم السيسية


المكان برلين و الموضوع الثورة المصرية .. و كثافة الحضور الألماني مدهشة فعلا..!!

في عرض صوتي تمثيلي مبهر لنص كتبه صنع إبراهيم و من إخراح سمير نصر عن الثورة حتى لحظة التنحي و مخاوف اللحظة التالية !!

للأسف حضرت متأخرا و لم استمتع بالعرض التمثيلي كاملا لكني منبهر بكثافة الحضور الألماني..
هؤلاء القوم لا زالوا يأملون شيئا جيدا من كل تلك الفوضى .. أو ربما هم في حيرة مثلنا تماما..!!

ربما تبهرهم هنا يسارية صنع الله إبراهبم بتحيزاتها نتيجة للتجربة المصرية التراكمية من مواجهة مفتعلة دائما بين اليسار و الإسلاميين.. بعضها منطقي لاختلاف الرؤى و أغلبها فقط ناتج من مرضية الصراع ليس إلا !!

لكني جئت هنا لأسأل الكاتب المناضل و الذي نتذكر له يوما موقفه حين رفض جائزة الدولة أيام مبارك معلنا أنه لا يقبل تكريما من حكومة غير شرعية ..
كيف يمكن للعسكر أن يكون ضامنا لانتقال مدني ؟!

حتى الآن يتحدث صنع إبراهيم بتحيز اليساري المصري بكل تراكماته.. عن 30 مليونا في 30 يونيو و عنف الأخوان (تصفيق حاد من جانب من الحضور المصري) و يتحدث عن تحدي تبعية مصر للقوى الإمبريالية و موقف ألمانيا السيء (لأنها وصفت ما حدث بالانقلاب)

يسأل الرجل بغرابة مدهشة: قبل انتقاد قانون التظاهر هل يمكن أن نعرف سبب إقراره؟ مع حوادث مثل ما حدث في الوراق!!

كان رد الصحفية Julia Gerlach مباشرا .. هناك فرق بين قانون منع التظاهرات السلمية (التي رأتها تمر من أمام مقرها في القاهرة) و مكافحة الإرهاب !!
الظلم هو الظلم و لا علاقة له بكون الأخوان جيدين أو سيئين
تحلل المتحدثة الألمانية الأمر بشكل علمي دون تورط في التحيز .. تتحدث ببساطة

و سمير نصر يتحدث عن إرهاق الناس و عودة النظام القديم بسرعة مع تلك الحيرة القاتلة ..
نتحدث جميعا عن غياب العدالة..
عن مجرمين يتجولون في أروقة الحكم و الإعلام .. بينما يتساقط الناس يوميا و الأمل يخفت باستمرار
لا حل دون عدالة شاملة تقتص من كل من أجرم و أفسد و قتل.. و إلا فالوداع للثورة و التغيير!!

لا يخلو الأمر من طرائف حين تحدث صنع الله عن سبب أنه يبدع فقط في مصر و لا يستطيع الكتابة في أي مكان آخر..
بينما قام الممثل الرئيسي بتشغيل موسيقى حديث الروح عبر المايك و الكل يستمتع و يضحك و المذيعة تحاول إسكات الصوت لتستطيع التحدث !!
 — at Friedrich Ebert Stiftung.


الاثنين، 21 أكتوبر 2013

في حتمية التعليم .. نماذج ثلاث

حين زار مهاتير محمد مصر في بدايات الثورة .. 
سأله أحدهم في تلك اللحظة الفارقة من تاريخنا عن خلطة ماليزيا السحرية لصناعة التقدم .. حدد الرجل إجابته في كلمة واحدة .. التعليم!

حينها لم أفهم كثيرا المغزى الكامن وراء الكلمات .. 
و لكنه الاحتراق بالتجربة الذي أفهمنا الكلمة لاحقا !!

مثل كثير من المصريين كنت متفائلا بأن التغيير السياسي سيفتح الباب لكل مشاريع التطور ..
و لكني أدرك الآن أنه لامتلاك مثل هذا النظام السياسي القادر على الرؤية و الخيال لابد من امتلاك مناخ و وعي مجتمعي قادر على إنتاج مثل ذلك النظام..

النظام المصري المتعاقب هو نظام فاشل بمرارة حتى الآن .. و بذرة الفشل بدأت بعيدا في الزمن منذ رضينا بديكتاتورية عسكرية أسست لنظام قوي ربما.. و لكنها لم تؤسس لدولة حقيقية قادرة على النهوض الحضاري

ففي الوقت الذي امتلك عبدالناصر زمام الحكم.. 
كانت مصر تمتلك قدرات بشرية و أسس اقتصادية بالإضافة لتقاليد عريقة تؤهلها للنهوض بتسارع رائع ..
كان الإنسان المصري في ذلك الوقت يمتلك عقلا طازجا متفتحا و متدربا على الممارسات الديمقراطية بمهارة...

ربما حقق نظام عبدالناصر بعض المكاسب المؤقتة.. لكن أولوياته كانت هي فرض هيمنته السلطوية على المجتمع و الدولة على حساب بناء الإنسان المصري.. بل سعى حثيثا لهدمه عبر إشاعة مناخ الخوف و الرعب تحت قبضة النظام البوليسي القمعي الرهيب

لقد حيد نظام ناصر أو غيب كثير من المهارات و الكفاءات بسبب الاختلاف السياسي أو لمجرد ضمان الولاء ليزرع ضابطا في كل مؤسسة و هيئة ..
كان الرجل يؤمن أن ضابط جيش مدرب مضمون الولاء.. يستطيع الأداء بأفضل من أي مدني آخر مهما كانت كفاءته .. و كان الحصاد مريرا بتحكم مجموعة من الجنرالات الجهلة بهياكل الدولة مع استثناءات قليلة للغاية مثل الدكتور ثروت عكاشة

في ذات الوقت كانت الهند بلدا فقيرا يموج بمشاكل عرقية و طائفية لا نهاية لها و ماليزيا عبارة عن تجمع لبعض الأعراق تحت إمرة ملك و جنوب كوريا تكافح لأجل البقاء بينما كانت تركيا تكافح لنهوض بدا بعيدا مع القطيعة الرهيبة مع ثقافتها التقليدية!!

و في الوقت الذي كان يبسط فيه ناصر زعامته المحلية باستفتاءات 99% و الإقليمية باتخاذ مواقف ربما بدت ساحرة لكنها كبدتنا الكثير!! 
(و كذلك من أتى بعده تفرغوا لذات الممارسة السلطوية لتدعيم أركان سلطتهم)

كان الكوريون -في ذلك الوقت- ينفقون الجزء الأكبر من ناتجهم القومي على التعليم الأساسي..
و ماليزيا بدأت متأخرة نسبيا في استثمار الإنسان و تنمية مهاراته عبر حلم قومي بنهضة ماليزيا عبر التعليم..
بينما أسست الهند لديمقراطية هي الأكبر في العالم الآن (رئيس مسلم و رئيس وزراء سيخي و أغلبية هندوسية .. يا للروعة!!).. 
و كافحت تركيا باستثمار كل طاقاتها في بناء نظام ديمقراطي و تعليم مثمر.. 

لم يكن طريق تلك الدول سهلا ... لكنه كفاح سنين طويلة مع امتلاك الرؤية و الخيال و ميزها نقطتين أساسيتين
- بناء الإنسان و وعيه عبر تعليم متقن و إعلام يدفع في ذلك الاتجاه
- بناء ديمقراطيات راسخة قادرة على التعامل مع التحديات 

لكن في مصر..
-يتفرغ الإعلام لتدعيم السلطة و الترويج لها.. و لا يساعد مطلقا في ترسيخ القيم بل يسعى لهدمها أحيانا !!
-و في التعليم نتردى من فشل لفشل أكبر و بإصرار غريب و كأن من يحكمنا ليسوا أبدا من نبت هذه الأرض !!

أقرأ الأبحاث العلمية الكورية و التركية و الماليزية و الهندية في مجال تخصصي فأشعر بفجوة متسعة باضطراد معهم.. 
و أقابل الأصدقاء الأكاديميين الذين تعلموا أو عملوا في الجامعات هناك و أسمع منهم.. فأشعر بالأسف لحالنا .. !!

و أتذكر المرة الأولى التي دخلت فيها المختبر في جامعتي البرلينية.. 
شعرت حينها أن التعليم في مصر هو أشبه بمسرحية عبثية و كأننا نمثل أننا نتعلم .. 
لم تكن الفجوة أبدا مادية..
و إنما هو افتقاد الإرادة أو حتى الرغبة في صناعة تعليم حقيقي.. و تلك قصة أخرى !!

الأحد، 20 أكتوبر 2013

الوعي و التعليم

بينما أحضر اليوم ورشة عمل برلينية عن تطوير التعليم في المراحل الإبتدائية (تعليم اللغة).. كنت أطالع أثناء الوقت تقرير التنافسية العالمية لعامي 2012-2013 في جودة التعليم الأساسي و الصادر عن منتدى التعاون الدولي.. 
و لتصبح المأساة بالنسبة لي مضاعفة بين واقعين متضادين تماما!!

كان ترتيب مصر محبطا للغاية حيث جاءت في المركز 118 متراجعة 11 مركزا عن العام الماضي لتستقر هذا العام في القاع و يسبقها في الترتب معظم جيرانها تقريبا !!
***

"على الأقل أصبحنا رقم واحد في شيء حتى و لو من الأسفل " .. 
هكذا قال مصري لمحرر foreign policy بسخرية مريرة!!

تقرير المجلة عرض أيضا ملخصا لتقارير تنافسية أخرى.. فطلاب مصر احتلوا المركز 38 من بين 48 دولة في مسابقة رياضيات كما جاءت مصر في مراكز متأخرة في كفاءة سوق العمل و موقع تدني في القدرة على الاحتفاظ بالمواهب (هجرة الأدمغة) ..

حتى في التقرير العالمي للسعادة تعتبر مصر الأكثر انخفاضا في كل عام لنصل للمرتبة 130 !!

التدهور الذي يحاصرنا لا يبعثر فقط أحلامنا في وطن متقدم بل يكاد يهدد وجودنا في مصاف الأمم من الأساس!!

فـ فضلا عن تدهور مؤسف لدرجة الفشل في كفاءات الهيكل الإداري للدولة و مهاراته الفنية .. فما زاد الطين بلة بل و وحلة.. تداخل الأمور الفنية مع مفردات الصراع السياسي.. !!

قضية التعليم مثلا..
فبدلا من تبني التعليم كمشروع قومي لا بديل عنه للتقدم بالاعتماد على المهارات الفنية البحتة.. حوله الجميع لساحة صراع سياسي بدءا من تعيين الوزير إلى مرحلة وضع المناهج .. !!

هل يمكن أدلجة الفيزياء أو الرياضيات ؟!!
لا ، و لكن ذلك يحدث في مصر فقط !!

خسارة مباراة غانا كانت تستحق الحزن فعلا.. 
نتمنى -لا ريب- أن نصل إلى كأس العالم بعد كل ذلك الغياب.. و رغم إدراكنا أن مستوى فريقنا الفني لا يؤهله لأي انجازات في كأس العالم !! 
كانت جلّ أمنياتنا أن نصل و لا نعرف أبدا ماذا بعد ؟!!

و لكن الأكثر حزنا و إثارة للمأساة هو أن لا يثير تقرير جودة التعليم أي تساؤلات و لا أحزان..

لو أن هناك دولة أو نظام يحترم الوطن و مواطنيه .. لتم عقد اجتماع طوارئ لدراسة مثل هذه التقارير و مدى واقعيتها ثم الأسباب التي أدت لهذا الدمار.. 
مع حتمية البدء في حلول عاجلة للرتق حتى لا يستمر التدهور الرهيب.. و حلول طويلة المدى لإعادة الدفة لصحيح الطريق
فقط لو أنه لدينا دولة أو نظام يحترم نفسه !!!

و لأنه ليس لدينا ما نتمنى..
فيجب أن ندرك أنه لا أمل في هذا النظام أو الذي يليه طالما قامت أركان نظامهم على مصالحهم الحزبية أو الفئوية دون اعتبار لمصالح الوطن العليا و مستقبله..
يوطدون أركان حكمهم على حساب مستقبلنا..

علينا أن نقوم بأنفسنا و بحهود أهلية تركز على بناء الإنسان و تنمية مهاراته المهنية و النقدية .. و بذر الوعي 
و البداية التعليم و التعليم .. هذل إن أردنا رفعة و نهضة لهذا الوطن العزيز!!

http://transitions.foreignpolicy.com/posts/2013/10/17/egypt_scores_dead_last_on_schools_and_egyptians_couldnt_care_less

السبت، 19 أكتوبر 2013

جحيم دان براون Inferno و لقطة رائعة

بداية :)

"أحلك الأماكن في الجحيم هي لأولئك الذين يحتفظون بحيادهم في الأزمات الأخلاقية"

أول جملة فاجئتني .. و أنا ببدأ أقلب في صفحات رواية #دان_براون الأخيرة #inferno أو #الجحيم ..
ياااه على الجملة الساحقة..
هل #دانتي كتب حاجه زي كده فعلا .. ؟!!
ضربة البداية عظيمة :)
--------------


اقتباس
"في حين تفضل التقاليد المسيحية رسم صور حرفية لرموزها الدينية، كان الفن الإسلامي يركز على علم الخط و الأشكال الهندسية لتمثيل جمال الكون. فبحسب التقليد الإسلامي الله وحده هو القادر على خلق الحياة...

لو كان مايكل أنجلو مسلما لما أقدم مطلقا على رسم الله على سقف السفينة السيستانية و لكتب اسمه و حسب .. فرسم الله يعتبر تجديفا

فكلا من الديانتين تركز على الرموز ، أي الكلمة..
في المسيحية الكلمة أصبحت جسدا، لهذا كان تصوير الكلمة في شكل بشري قد أصبح مقبولا.
أما في الإسلام لم تصبح الكلمة جسدا .. لذا يجب أن تبقى كلمة، فتم تصوير الرموز الدينية في كتابات..

أوجز طالب المعنى في ملحوظة مرحة و دقيقة .. المسيحيون إذا يحبون الوجوه أما المسلمون فيحبون الكلمات.

لذا نجد آيا صوفيا تحمل في سقفها فسيفساء كبيرة تحمل صورة المسيح و يحيط بها قرصان كبيران يحملان كلمتي الله و محمد بالخط العربي الآسر في مزج مبهر بين الأسلوبين الفنيين المتناقضين لتشكل تأثيرا فاتنا"

ملحوظة فنية بارعة من رواية دان براون Inferno 
بتصرف بسيط في الصياغة

Post by Abdou Alterkawi.

***
عن الجحيم
يشتعل خيال الكتاب بأفكار مدهشة عن تخيل نهاية العالم .. أو إيجاد بداية جديدة للبشرية الذاهبة لفنائها حثيثا!!

كان فيلم 2012 يستمد فكرته من الطوفان العظيم أيام النبي نوح ليطالعنا مشهد السفينة العائمة بعد غرق العالم و عليها النخبة المختارة من السلالة البشرية..
كان مشهد تدافع البشر للحاق بركب النجاة مفزعا و كأنهم جميعا ابن نوح الذي أغرقه الطوفان و لكن هذه المرة بلا خطيئة !!

تماما كما حدث في فيلم world war z حين أصاب البشرية وباء رهيب..
عضة واحدة كانت كافية لأن يتحول كل بشري إلى ميت حي (زومبي) مذؤوب يسعى لعض البقية في متوالية مرعبة لا تبقى و لا تذر!!

تذكرت قصة مرعبة قرأتها يوما في مجلة العربي، تخيل صاحبها جفاف تام للأرض ليصبح مصدر الماء الوحيد هو دماء البشر.. فيتحول الفقراء لمواد خام تمثل مصدرا وحيدا للمياه ليفني البشر بعضهم بعضا..

هنا القصة مختلفة تماما..
فمع تقرير (حقيقي) لمنظمة الصحة العالمية عن تناقص رهيب في موارد الأرض بعد تخطي البشر حاجز الـ 7 مليار نسمة و توقع نهاية مفزعة ..

تبرز فكرة شيطانية لدى عالم بيولوجي عبقري بأن الحل الوحيد هو فناء بعض البشر للوصول للحاجز الآمن .. 4 مليارات نسمة فقط !!

كانت الأفكار القديمة كلها تتحدث عن حروب نووية أو إيادة عرقية .. كما ينبغي للأشرار الكلاسيكيين..

لكن العبقري الشرير هنا يستدعي من التاريخ فترة حالكة في العصور الوسطى هي وباء الموت الأسود في أوروبا..

كانت بداية وباء الطاعون مع فئران مصابة به جاءت على متن سفينة صينية رست في ميناء البندقية!

كانت مأساة صاعقة قضت على ثلث سكان أوروبا بعد أن قضت على ثلثي سكان الصين..

لكن من ناحية أخرى يرى البعض أن الوباء كان إنقاذا لأوروبا بعد وصول عدد السكان لمعدل زاد عن قدرة موارد القارة على تلبية احتياجاتهم .. و من هنا كانت بداية عصر النهضة بكل إنجازاته و بعد هلاك ثلث السكان!!

يستند الشرير لحجج أخلاقية ككل المجرمين الذين يجدون دائما مبررا للشرور في العالم.. و يسعى لنشر فيروس ما في الأرض و هو يؤكد في رسالته التي نشرها قبل انتحاره أنه المخلص و منقذ البشرية!!

لم يكن مجرما كلاسيكيا .. 
فقط عبقريته قادته لطريق شرير أنيق يليق بعالم متحضر في القرن الواحد و العشرين ليقلل عدد البشر بمقدار الثلث عبر فيروس ناقل يغير من تركيب الجينوم البشري .. لا قتل هنا و لا دماء لكنه أشبه بأبحاث تحسين السلالة البشرية أيام النازية !!

و باستخدام هذا المزيج الرهيب بين العمل الأدبي الكلاسيكي الأشهر من كوميديا دانتي الإلهية (الجحيم) و مع عقلية عبقرية تميل للحلول الجذرية باستخدام المبدأ الميكافيللي (الغاية تبرر الوسيلة) .. يقودنا دان براون لعالمه الساحر و العاصف بالأسئلة عبر آثار فلورنسا و البندقية و أسطنبول.. مع بطله المفضل بروفيسور لانغدون لحل متواليات من الألغاز و الأحاجي في محاولة لإنقاذ البشرية .. مجرد محاولة !!
***

أعرف رأي النقاد في ذلك النصاب دان براون و تلك الأشياء ..

لكن القارئ يملك الأهلية الكاملة للتمييز .. و دان براون كاتب بارع و ناجح .. هكذا ببساطة!!

هو ربما لا يعطي النقاد تلك الملاحم ليبنوا عليها ثرثرتهم.. و يراه بعضهم مجرد سارق أفكار ليضعها في قالب -لكنها ضريبة النجاح- فكيف يحصد هذا المغرور كل تلك المبيعات و الأموال ؟! بينما نحن نكاد نقتات بالكاد !!

ليس دان براون بالكاتب الأسطوري .. لكنه حرفي ماهر و تاجر شاطر .. و لم تخب بضاعته هذه المرة أيضا..

و كالعادة نجح دان براون في جذبي لعالمه الساحر و يجبرني على التخلي عن كل التزاماتي في هذا العالم لأظل متسمرا أمام تحفته الجديدة 

يبدو أن دان براون قد درس آثار إيطاليا حجرا حجرا ليعرضها بكل تلك الطريقة الساحرة و ينتج عملا مبدعا و دليلا سياحيا مدهشا..

والإضافة الجديدة هذه المرة هي اسطنبول و آثارها..
فبدت الانتقالة من عالمي فلورنسيا و البندقية الممتعين إلى عالم اسطنبول الساحر رائعة و مؤثرة ..
ربما لم يظهر ذلك العمق من دان براون في وصف الآثار في فسيفساء اسطنبول و آياصوفيا
(معناها الحكمة الخالدة) كما كان في الآثار الرومانية .. لكن العرض كان شيقا و بارعا

في تلك الانتقالة مع أبطال الرواية في المنطقة الرمادية المتأرجحة بين ضفتي الخير و الشر..

ينجح دان براون في إثارة حيرتنا و يندفع سيل أسئلة محفزة للتفكير..
مع تفهم مناطق رغبات النفس البشرية وضعفها أمام العاطفة (بلا منطق) أو التحليل المنطقي (بلا اعتبارات إنسانية) .. و حتى مع الاختلاف معها !!

لكن المرء هنا يخرج حائرا في النهاية .. هل يقصد الكاتب تعضديد الفكرة أم دحضدها ؟..
أم هي مجرد الدعوة للتفكير في المشكلة التي فوق رؤوسنا فعلا ؟!

بكلمات أخرى .. هل يحارب دان براون هنا الشر (المنطقي) أم يساعد على ترويجه ؟!



Inferno (Robert Langdon, #4)Inferno by Dan Brown
My rating: 4 of 5 stars

بداية

"أحلك الأماكن في الجحيم هي لأولئك الذين يحتفظون بحيادهم في الأزمات الأخلاقية"

أول جملة فاجئتني .. و أنا ببدأ أقلب في صفحات رواية #دان_براون الأخيرة #inferno أو #الجحيم ..
ياااه على الجملة الساحقة..
هل #دانتي كتب حاجه زي كده فعلا .. ؟!!
ضربة البداية عظيمة :)
--------------

اقتباس
"في حين تفضل التقاليد المسيحية رسم صور حرفية لرموزها الدينية، كان الفن الإسلامي يركز على علم الخط و الأشكال الهندسية لتمثيل جمال الكون. فبحسب التقليد الإسلامي الله وحده هو القادر على خلق الحياة...

لو كان مايكل أنجلو مسلما لما أقدم مطلقا على رسم الله على سقف السفينة السيستانية و لكتب اسمه و حسب .. فرسم الله يعتبر تجديفا

فكلا من الديانتين تركز على الرموز ، أي الكلمة..
في المسيحية الكلمة أصبحت جسدا، لهذا كان تصوير الكلمة في شكل بشري قد أصبح مقبولا.
أما في الإسلام لم تصبح الكلمة جسدا .. لذا يجب أن تبقى كلمة، فتم تصوير الرموز الدينية في كتابات..

أوجز طالب المعنى في ملحوظة مرحة و دقيقة .. المسيحيون إذا يحبون الوجوه أما المسلمون فيحبون الكلمات.

لذا نجد آيا صوفيا تحمل في سقفها فسيفساء كبيرة تحمل صورة المسيح و يحيط بها قرصان كبيران يحملان كلمتي الله و محمد بالخط العربي الآسر في مزج مبهر بين الأسلوبين الفنيين المتناقضين لتشكل تأثيرا فاتنا"

ملحوظة فنية بارعة من رواية دان براون Inferno
بتصرف بسيط في الصياغة

***
عن الجحيم
يشتعل خيال الكتاب بأفكار مدهشة عن تخيل نهاية العالم .. أو إيجاد بداية جديدة للبشرية الذاهبة لفنائها حثيثا!!

كان فيلم 2012 يستمد فكرته من الطوفان العظيم أيام النبي نوح ليطالعنا مشهد السفينة العائمة بعد غرق العالم و عليها النخبة المختارة من السلالة البشرية..
كان مشهد تدافع البشر للحاق بركب النجاة مفزعا و كأنهم جميعا ابن نوح الذي أغرقه الطوفان و لكن هذه المرة بلا خطيئة !!

تماما كما حدث في فيلم world war z حين أصاب البشرية وباء رهيب..
عضة واحدة كانت كافية لأن يتحول كل بشري إلى ميت حي (زومبي) مذؤوب يسعى لعض البقية في متوالية مرعبة لا تبقى و لا تذر!!

تذكرت قصة مرعبة قرأتها يوما في مجلة العربي، تخيل صاحبها جفاف تام للأرض ليصبح مصدر الماء الوحيد هو دماء البشر.. فيتحول الفقراء لمواد خام تمثل مصدرا وحيدا للمياه ليفني البشر بعضهم بعضا..

هنا القصة مختلفة تماما..
فمع تقرير (حقيقي) لمنظمة الصحة العالمية عن تناقص رهيب في موارد الأرض بعد تخطي البشر حاجز الـ 7 مليار نسمة و توقع نهاية مفزعة ..

تبرز فكرة شيطانية لدى عالم بيولوجي عبقري بأن الحل الوحيد هو فناء بعض البشر للوصول للحاجز الآمن .. 4 مليارات نسمة فقط !!

كانت الأفكار القديمة كلها تتحدث عن حروب نووية أو إيادة عرقية .. كما ينبغي للأشرار الكلاسيكيين..

لكن العبقري الشرير هنا يستدعي من التاريخ فترة حالكة في العصور الوسطى هي وباء الموت الأسود في أوروبا..

كانت بداية وباء الطاعون مع فئران مصابة به جاءت على متن سفينة صينية رست في ميناء البندقية!

كانت مأساة صاعقة قضت على ثلث سكان أوروبا بعد أن قضت على ثلثي سكان الصين..

لكن من ناحية أخرى يرى البعض أن الوباء كان إنقاذا لأوروبا بعد وصول عدد السكان لمعدل زاد عن قدرة موارد القارة على تلبية احتياجاتهم .. و من هنا كانت بداية عصر النهضة بكل إنجازاته و بعد هلاك ثلث السكان!!

يستند الشرير لحجج أخلاقية ككل المجرمين الذين يجدون دائما مبررا للشرور في العالم.. و يسعى لنشر فيروس ما في الأرض و هو يؤكد في رسالته التي نشرها قبل انتحاره أنه المخلص و منقذ البشرية!!

لم يكن مجرما كلاسيكيا ..
فقط عبقريته قادته لطريق شرير أنيق يليق بعالم متحضر في القرن الواحد و العشرين ليقلل عدد البشر بمقدار الثلث عبر فيروس ناقل يغير من تركيب الجينوم البشري .. لا قتل هنا و لا دماء لكنه أشبه بأبحاث تحسين السلالة البشرية أيام النازية !!

و باستخدام هذا المزيج الرهيب بين العمل الأدبي الكلاسيكي الأشهر من كوميديا دانتي الإلهية (الجحيم) و مع عقلية عبقرية تميل للحلول الجذرية باستخدام المبدأ الميكافيللي (الغاية تبرر الوسيلة) .. يقودنا دان براون لعالمه الساحر و العاصف بالأسئلة عبر آثار فلورنسا و البندقية و أسطنبول.. مع بطله المفضل بروفيسور لانغدون لحل متواليات من الألغاز و الأحاجي في محاولة لإنقاذ البشرية .. مجرد محاولة !!
***

أعرف رأي النقاد في ذلك النصاب دان براون و تلك الأشياء ..

لكن القارئ يملك الأهلية الكاملة للتمييز .. و دان براون كاتب بارع و ناجح .. هكذا ببساطة!!

هو ربما لا يعطي النقاد تلك الملاحم ليبنوا عليها ثرثرتهم.. و يراه بعضهم مجرد سارق أفكار ليضعها في قالب -لكنها ضريبة النجاح- فكيف يحصد هذا المغرور كل تلك المبيعات و الأموال ؟! بينما نحن نكاد نقتات بالكاد !!

ليس دان براون بالكاتب الأسطوري .. لكنه حرفي ماهر و تاجر شاطر .. و لم تخب بضاعته هذه المرة أيضا..

و كالعادة نجح دان براون في جذبي لعالمه الساحر و يجبرني على التخلي عن كل التزاماتي في هذا العالم لأظل متسمرا أمام تحفته الجديدة

يبدو أن دان براون قد درس آثار إيطاليا حجرا حجرا ليعرضها بكل تلك الطريقة الساحرة و ينتج عملا مبدعا و دليلا سياحيا مدهشا..

والإضافة الجديدة هذه المرة هي اسطنبول و آثارها..
فبدت الانتقالة من عالمي فلورنسيا و البندقية الممتعين إلى عالم اسطنبول الساحر رائعة و مؤثرة ..
ربما لم يظهر ذلك العمق من دان براون في وصف الآثار في فسيفساء اسطنبول و آياصوفيا
(معناها الحكمة الخالدة) كما كان في الآثار الرومانية .. لكن العرض كان شيقا و بارعا

في تلك الانتقالة مع أبطال الرواية في المنطقة الرمادية المتأرجحة بين ضفتي الخير و الشر..

ينجح دان براون في إثارة حيرتنا و يندفع سيل أسئلة محفزة للتفكير..
مع تفهم مناطق رغبات النفس البشرية وضعفها أمام العاطفة (بلا منطق) أو التحليل المنطقي (بلا اعتبارات إنسانية) .. و حتى مع الاختلاف معها !!

لكن المرء هنا يخرج حائرا في النهاية .. هل يقصد الكاتب تعضديد الفكرة أم دحضدها ؟..
أم هي مجرد الدعوة للتفكير في المشكلة التي فوق رؤوسنا فعلا ؟!

بكلمات أخرى .. هل يحارب دان براون هنا الشر (المنطقي) أم يساعد على ترويجه ؟!


View all my reviews