الخميس، 18 سبتمبر 2014

Abdou Alterkawi - September 18, 2014 at 02:58PM

كان المحاضر عجوزا جدا يحمل فلسفة العمر الطويل مع حقائق العلم الذى أفنى العمر في محرابه، و يعرض أول بحث علمي له من بداية الستينيات و آخر ورقة تنشرها نيتشر، الوسائل التحليلية و الطرق تزداد تعقيدا لتكشف جانبا ما جديد من الحقيقة..

لكن ما هي الحقيقة ؟!

“و المقصود هنا الحقيقة العلمية..”

سيذكر بجذل مقولة فرويد و أخرى لشكسبير، و هو يدعو الأجيال الصاعدة للتعلم من التاريخ، تاريخ العلم بطبيعة الحال..

من الجيد أحيانا أن ننظر للماضي هناك أشياء لا زال علينا تعلمه أو أن نعيد فهمها كما يليق..


تذكرت مبدأ عدم التأكد لهايزنبيرج و سخرية إينشتين منه قائلا لا يمكن التعامل مع قوانين الكون كلعبة نرد!! ثم يعدل العبقري عن رأيه و يتواضع غرور العلم الميال للحقيقة المطلقة مع حقائق الكون الذي ما إن نفك أحد شفراته حتى تواجهنا شبكة معقدة من رموز جديدة..

و يزداد شغف الإنسان للبحث و يتوهج بريق المعرفة التي نعرف الآن محدوديتها مقارنة بما لا زالت تحجبه الأسرار..


في ملحوظة ذكية من أستاذي الذي تعلمت منه الكوانتم و هو يشرح مبدأ عدم التأكد، يذكر الآية المدهشة رقم 24 في سورة يونس “حتى اذا اخذت الارض زخرفها و ازينت و ظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كان لم تغن بالامس”.

تقرر الآية أن المعرفة لا شاطيء لها و حين نصل الشاطيء أو نظن أنا وصلنا فهي نهاية الرحلة إذا..

كلما تعمقنا في الأسرار كلما أخذ قانون الاحتمالية مكانه اللائق و اندثر غرور اليقين المطلق..

يسعى الإنسان للكمال في امتلاك مفاتيح الأسرار و في أحد أوصاف النبي لنفسه “الشوق مركبي و الحزن رفيقي” و يبدو أنه شوق الكمال للبشرية و لكن الحزن رفيق الطريق لأن الوصول شاق و المعرفة أشواكها كورودها غزيرة و مؤلمة..


منذ وجه جاليليو التليسكوب الأول و الإنسان ينشغل لقرون بفهم أسرار تلك الأجرام الهائلة و الأرض بينها تظهر كدبوس إبرة نانوميتري.. ثم يكتشف الإنسان أن معرفته عن ذاته أقل من معرفته احتمال وجود الماء على المريخ.. و يأتي الشغف من مكان آخر علم النانو.. نكتشف أننا نسبر الكون الفسيح و نعرف الكثير عن النجوم و لا نعرف أنفسنا، ظواهر محيرة و حقائق تفسرها نظريات تلو نظريات ثم ينهدم كل ذلك مع بروز الحقيقة الأبسط، جزيئات النانو و خواصها المدهشة، ثم و كأننا اكتشفنا عالما آخر..

الذهب معدن خامل براق قيمته في مسالمته الأزلية للطبيعة و الذهب في حجم النانو يصبح نشطا تتراوح ألوانه بين الشفاف و الأزرق و الأحمر و بخواص مدهشة تمثل أملا في طب الأورام.

هناك مقولة ساخرة لكنها حقيقية نوعا ما، كلما صغر حجم ما نريد قياسه كلما تضخم حجم الأجهزة التي تقيسها.


جاءت السيدة العجوز و تحدثنا ماذا تعملين؟ ضحكت و قالت كنت صيدلية و تقاعدت و الآن أنا ظل ذلك العجوز، أنت تعرف،كل ناجح يحتاج ظلا وراءه، رددت سريعا ربما ظلا عظيما أيضا و هو سر ذلك النجاح.. كانت فخوىة بعجوزها الأنيق الذي أمتعنا بمحاضرة شيقة..

و تذكرت سيدهوف الذي حصل على نوبل في الطب و هو يرثي حظه كفيلسوف ضل طريقه للعلم. و حين سأله الصحفي الألماني عن رؤيته للبحث العلمي في ألمانيا، رد الرجل ببساطة و بألمانيته الفصيحة، لم أعد ألمانيا، لكن أظن… و أسدى نصائحه كأمريكي لبلده الأم.

كل الصحف كانت تحتفي بالرجل و جائزته و تناقش أفكاره بجدية. لم أجد عنوانا في اليوم التالي يخون ذلك المتأمرك الخائن الذي يجروء على التدخل في شئون البلد.






via Tumblr http://ift.tt/XKurgo

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق