هذه الرواية من الأعمال التي ستظل عالقة معي أو أظل عالقا فيها طويلا .. هي واحدة من أهم الأعمال و أكثرها نضجا عن الثورة حتى الآن
مساحة التنبؤات القابلة للتحقق تبدو مدهشة فعلا .. (كان شيئا من ذلك في يوتوبيا لأحمد خالد توفيق بتوقعه للثورة و سببها المباشر من قتل إنسان برئ) ..
لكن الأمور هنا أكثر تعقيدا ..
نتحدث عن مسار وطن بين خيارات مرة و مصير أمة في حقل الأشواك..
هنا تبدأ الرحلة فقط راجع دقات قلبك من حين لآخر و أنت تُسقط كل السيناريوهات على واقع الحال الذي نعيشه!!
لا توقفك البداية البطيئة للرواية.. فقط تقدم للأمام و ستجد كنزا لن تفلته.. كنزا من الجمر ستتقلب عليه حتى تنتهي تماما من الرواية أو تنتهي هي منك..
جمال الرواية في تماسكها سواء في تسلسل الأحداث بمنطقية و تحليل سياسي متقن والخط الدرامي للشخصيات بتعرجاته و التحرك الدائم بين مربعي الخير و الشر و بينهما المنطقة الرمادية.
جرب عزالدين شكري فشير كل سيناريوهات الثورة التي نضعها جميعا كاحتمالات متعددة استند لأسس واقعية و نتائج عام كامل من الثورة على أرض الواقع ليرسم مسار متخيلا للثورة (كتب الرواية في 2012 بعد عام من الثورة) ..
ستستعيد تفاصيل الرواية و منمنماتها الصغيرة مع كل حدث يحدث في مصر .. و سيدق قلبك سريعا جزعا مما هو قادم
أضع يدي على قلبي و كأني أقرأ أحد روايات الرعب .. رعب من المستقبل و الانحدار فيه مع كل هذه السيناريوهات المؤلمة..
يتملكني الألم مع تلك المواجهات على الأرض بين الجماعتين العقائديتين الأكبر في البلد .. الجيش و الأخوان .. كلاهما مستعد للذهاب لأقصى مدى في المواجهة عن عقيدة .. و لا نعرف إلى أين نذهب ..
أنهي الرواية و المواجهات متصاعدة فعلا على الأرض ومذبحة نادي الحرس لا زالت حاضرة ودماء فتيات المنصورة لا زالت على الأسفلت .. بعد انقلاب الجيش و عزله لأول رئيس منتخب و من الأخوان .. يا للأقدار .. المدهش أن كاتب الرواية يرى ما حدث على أرض الواقع في 2 يوليو ليس انقلابا على الإطلاق ..
***
"ليس لدىّ معرفة شاملة كاملة بكل ما دار، ولا أظن أحدا غير الله سبحانه وتعالى لديه هذه المعرفة. لكنى أفضّل أن أرى ما حدث كأنه حريق كبير، أسهم فى إشعاله كثيرون، بعضهم بإهماله وغبائه وبعضهم انتقاما، بعضهم طمعا وبعضهم سهوا وغفلة، ويظنّ كل منهم أن عمله هو الذى يفسِر نشوب الحريق. لكن الحقيقة، والله أعلم، أنهم جميعا شاركوا فى إشعاله. فلا تُتعِب نفسك يا بنى فى محاولة التوصل إلى معرفة حقيقة ما حدث بالضبط، وهل كان الأمر انتخابات مزوَرة أم انتخابات ملغاة أم انقلابا أم إنقاذا أم صفقة… لا فرق بين هذه الروايات. المهم أنهم أشعلوها، واستولى العسكر على الحكم بدعوى إطفائها."
"هذا هو ما حدث يا بنى، و اللهُ على ما أقول شهيد هكذا، بهذه الطريقة، وبسبب هذا الجبن، انتهى بنا الأمر فى حرب، وفقدنا من فقدنا، لأن الرجال، فى اللحظة الحاسمة، لم يكونوا رجالا."
***
تنبأ الراوي بالصدام المبكر بين العسكر و الأخوان في المرحلة الانتقالية وتحالف القوى و السلفيين مع العسكر .. والدوامة التي أصابت البلد ثم موجة الثورة الثانية القادمة هذه المرة من أحياء الفقراء الذين كفروا بالسياسة و أهلها .. ثم نجاح المرشح الأخواني ليكون أول رئيس منتخب ثم انقلاب العسكر عليه. و دفاع الشباب عن مدنية الدولة في ظل حصار العسكر ..
تعلم الجميع الدرس فكانت مقاطعة إيجابية بتكوين كيانات موازية دون صدام مباشر
***
"لكن لم يحدث هذا ولا ذاك لا استقبل الناس العسكريين بالورود، ولا بالطوب لكنهم وقفوا فى وجوههم وقالوا لهم أن يعودوا من حيث أتوا."
***
تحدث عن تغول جهاز الأمن و استحالة الإصلاح مع تلاعبهم بأمن البلد لتحقيق مصالحهم و حماية رفاقهم ..
كان الحل السحري في جهاز موازي أشبه بحرس الثورة كان نتيجة لعمل طويل مع الشباب من القواعد و عبر المحليات ليبرز عزالدين شكري المخلص الذي ظهر من رحم الثورة و العمل على الأرض وحملته الجماهير للقمة ليصبح الديكتاتور الدموي. أطلق الأمن بلطجيته لكن الحرس الثوري واجههم و انحسرت الظاهرة و تكسرت ضلوع جهاز الأمن و رضخ تماما.
حدد ثلاثية معطلي الثورة بعد القضاء على الجهاز الأمني تماما .. و هم السلفيين واليساريين والعسكريين وموظفى الدولة (الفلول أو الدولة العميقة أيا يكن) ..
ربما أسرف في تصوير انغلاق السلفيين و لم يجد حلا إلا استئصالهم ..
لكن على أرض الواقع كان الأمر مختلف تماما .. تعلمهم في مجال السياسة و براجماتيتهم العالية فاجئتنا جميعا .. يبدو أن السلفية المصرية ستقدم نموذجا مختلفا عن السلفية التقليدية وإن كنت أرى اختلاف جذري في الأصول الفكرية سيرهقنا جميعا
المسار الإنساني في الرواية كان عميقا بسيطا شفافا و متعاطفا مع الإنسان و راصدا له في ذات الوقت
البطل المترجم فاتح أذنيه و الذي اختار المشاهدة و تحليل الأمور دون تدخل في مسار الأحداث ..
ذلك النوع من البشر الذي يرصد بلا رغبة في الفعل كان ملائما تماما ليكون هو الراوي الذي لا ينحاز .. فقط يقول الحقائق ببرود و يقول ما يؤمن به أخيرا بهدوء .. ثم يجنح للفعل الحاسم أخيرا فقط حين حانت اللحظة لإنقاذ الموقف من براثن القطان القادم من عهد ماضي يرى في الثورة كلها مؤامرة.
شخصية عزالدين فكري و ثوريته .. إيمانه بالشباب و البدء من القواعد ليحصد عمل السنيين الدؤوب و ياله من حصاد .. كيف تغير اختبارات الحياة و كرسي السلطة الناس وتحطم فيهم الإنسان بكل تلك القسوة .. كيف للرجل الوديع أن يكون سفاحا هكذا ؟!!
و محمود بشير الشاب الاشتراكي المدني الذي تحطمت قلوعه عند أول مواجهة .. كان مد الثورة أكبر من كل التنظيرات
عفاف و ميرفت و حسن البسطاء الذين يدفعون الثمن دائما .. يشعرون بأنهم ورقة في يد الجميع يتلاعبون بها و هم أول الضحايا عند المواجهة و عبده بمصريته اللامبالية و المتكيفة مع كل وضع ببساطة و تعايش و سخرية و إقبال على الحياة. نور الحالمة و المنطلقة الباحثة عن مخلصها ..
طرح إذا الكاتب الحل الصحيح في رحلته المبهجة غير المتوقعة التى أصابتنا بالاكتئاب في مساراتها المضنية
لم يكن الحل في انقلاب و لا في عواجيز يجروننا معهم في طريقهم الذي ألفوه و لا في مستبد عادل نحلم به..
الأمل معقود على جيل جديد اكتوي بنار التجربة ليبني من جديد .. اتحد شباب الإسلاميين و الديمقراطيين كما سماهم في الرواية في كتلة واحدة اسمها (معا) ليعملوا كل ما يريدون دون تداخل مع الدولة المتهالكة ..
أسسوا تجمعات نقاشية ثم مؤتمرات و أعدوا لجمعية تأسيسية .. حاول الكل إفشالهم .. العسكر و الدولة العميقة و اللواء القطان .. هنا استفاق الراوي ليصنع شيئا مفيدا ربما لصالح الأجيال القادمة..
***
"قد أخذ الأمر منا سنوات طويلة حتى وصلنا إلى هذه النقطة. وهؤلاء الشباب الذين لم يعلِّمهم أحد، ولم يدرِّبهم أحد، ولم يجدوا أحدا يقتدون به، نشؤوا رغم ذلك راغبين فى الحق والخير والجمال وأطلقوا ثورة لم نرَ مثلها فى بلدنا من قبل. لكن العواجيز ضلَّلَوهم؛ تسع سنوات من التيه والفوضى والقتل. ورغم ذلك كله يوشكون الآن، وحدهم، على الخروج من هذا التيه. تَعلَّموا من فشلهم وفشلنا، وراجَعوا أنفسهم، وأعادوا تنظيم صفوفهم بطريقة أخرى أفضل وأكثر نجاعة، ويتأهبون الآن لإزاحة هؤلاء العواجيز الخونة الذين يسدُّون الطريق والخروج. والقطان واقف عند المخرج كى يضلِّلهم ويعيدهم إلى المتاهة من جديد."
"لكن ثورة قامت منذ ذلك الوقت، وصدَّقت مع من صدَّقوا أن« الحقائق» القديمة لم تكن إلا أكاذيب راسخة، وأن هناك حقائق أخرى ممكنة : مثل أن نصبح كالناس الآخرين الناجحين، وأن نعمل بصدق لحماية حياتنا ومصلحتنا وأولادنا، وأن نحسم خلافاتنا معا كى نسير كلنا إلى الأمام، وأن يوسع بعضنا لبعض ونفسح مكانا للآخرين، وأن الآخرين أخوة وأخوات لنا، وأن الحق يسطع فى النهاية، والخير يربح، والجمال يشرق، وأن العدل ممكن. صدقت هذا، وما زلت أصدقه، رغم حكم العسكر، والثورة الثانية بعماها وغبائها، ومحمود بشير ومهاتراته التى حطمتنا، والسفاح مهندس القتل المنظم، والريس بيومى وبلاهته، رغم كل ذلك، ما زلت أؤمن بالحياة الأخرى التى خلنا جميعا أنها صارت بين أيدينا …"
***
نؤمن بأن هذا هو الحل لتجاوز النفق المظلم .. لكن كيف
هل بالسير في طريق الانقلاب .. أن نترك العسكر عرايا من أي غطاء مدني في السلطة و نعمل معا على صياغة مستقبلنا كما نريده .. ها نستوعب اللحظة و نتحد معا.. ؟!
أم نستكمل طريقا بدأناه و نحن لا نعرف على أي قدم نمضي مع هذا الانقسام الحاد و القاتل ..!!
عبدالعظيم التركاوي
برلين
20 يوليو 2013
***
مقتبسات ذات دلالة من الرواية (بعضها نقلته من الأصدقاء)
- لكن الإخوان وجدوا أنفسهم وحدهم، فالسلفيون اتفقوا مع المجلس العسكري، والقوي الديمقراطية كانت غاضبة علي الإخوان وإستئثارهم بالسلطة خلال الشهور التي سبقت الأحداث.
أما عامة الشعب فقد ارتاحت لحزمة الإجرائات التي أعلنها المجلس، ومن ثمة لم تؤد التظاهرات المليونية للاخوان في ميدان التحرير الي شيء.
وحين صعد الاخوان احتجاجاتهم وبدءوا يحتلون الطرق والمباني العامة ويوقفون الخدمات قامت الأجهزة الأمنية بالقاء القبض علي كل قياداتهم العليا والوسيطة في يومين، دون أن يثير ذلك أعتراض أحد بل علي العكس، ساد ارتياح عام الأوساط الشعبية والسياسية علي حد سواء.
-الأخطر من تحرُّك القوى السياسية المدنية ومؤيديها كان تحرك السلفيين، فهؤلاء قبِلوا التعاون مع العسكر مقابل تغيير نصوص محددة فى الدستور تجعل تطبيق الحدود الشرعية بنصها واجبا.. لا استلهام مبادئ أو روح أو مقاصد الشريعة مثلما ينصّ مشروع الدستور.
العسكر القابعون خلف المجلس الرئاسى، فى لؤمهم المفضوح، لم يكن لديهم أى نية فى إدخال هذه التعديلات على الدستور، لكنهم كانوا يحتاجون إلى دعم السلفيين فى مواجهتهم للإخوان فرضخوا. أما الآن وقد حانت ساعة الحقيقة، فقد أسقطوا هذه التعديلات من المشروع، وجُنّ جنون السلفيين.
- لا مفر حين يرتطم بك الظلم من محاولة دفعه بيديك
- لا وجود لهذا العالم الذى باعه لنا عمر الخيام ومن سار فى خطاه ,,لا وجود للحديقة الغناء التى تستلقى فيها مع حبيبتك على بساط آمن وتأكلان وتشربان وتلهوان وتنامان على وقع الموسيقى وتستيقظان فى حبور دون أن تشغلا بالكما بالعالم وشروره,لامكان لهذا العالم إلا فى المنام
- الناس لا تحتمل تطبيق ما ينادون به .. ينادون بالحرية والعدل والمساواة .. فهل يحتملونها فعلاً تلك القيم؟! هل يقبلونها لغيرهم أم يريدونها لأنفسهم وفقط؟!!
- أسوأ شىء فى حياة المرء أن يكون جباناً ويدعى الرجولة
- من قال ان المساواة بين البشر ممكنة ؟ومن قال ان العدالة ممكنة؟صحيح أن الناس يطالبون بالحرية والمساواة والإصلاح,ولكن ربما كانت هذه المطالب للتسرية عن أنفسهم دون أن يستعدوا لأن يدفعوا الثمن.والواجب يقتضى عدام الإستجابة لهم والتظاهر بالإستجابة كى لا يشعرون بالإحباط,,هى لعبة من التظاهر بين الحاكم والمحكوم.
- إن المشكلة ليست فى النظربة بل دائما فى التطبيق
- كلما عرفت تفاصيل الأمور ودواخلها صعب عليك شرحها لمن لا يعرفها.
- لا أحد يفعل الصواب .. بل كلًُ يفعل ما يراه هو صوابا .. لذلك نرى صور كثيرة من الحق .. الكل يدعى أنه يملك الحق.
- “هناك أعوام تمر فى حياتك دون أن يحدث فيها شىء سوى أن تمر”
- “إن الأمور لا تتحسن مع الوقت بل نحن الذين نعتاد سُوأَها.”
- “كلما عرفت تفاصيل الأمور ودواخلها، صعب عليك شرحها لمن لا يعرفها.”
- “الحقيقة أنى كلما فكرت فى حياتى السابقة أفاجأ بأنى لا أندم على شىء فعلته بقدر ما أندم دوما على أشياء لم أفعلها.”
- “دائما ما تأتى الأمور مختلطة: الإحباط والتحقق، الشكوك والإيمان، البرودة والسعادة، ولا يمكنك الفصل بينهم واختيار جانب واحد. لا يحدث هذا إلا فى قصص الأطفال.”
- “لا أحب الكلمات، لا أثق بالكلمات، لا تحمل الكلمات، حين أنطقها، المعنى كما يكون داخلى.”
مقتبسات أخرى:
http://www.goodreads.com/work/quotes/19137273
صفحة الرواية على facebook:
http://www.facebook.com/RwaytBabAlkhorog
my review on goodreads:
http://www.goodreads.com/review/show/659105175
my review on facebook
Post by Abdou Alterkawi.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق