الاثنين، 29 يوليو 2013

رمضان كريم 12: نحن أفضل كثيرا مما نظن (٢)

كان التساؤل:
لو اخترنا مجتمعا صغيرا في مصر .. أتوبيسا نحاول تطبيق هذه المبادئ فيه .. مفيش كمسري و لا مفتش .. الراكب هو اللي ياخد تذكرته بنفسه و يضع النقود في صندوق .. لا رقابة هنا إلا للضمير .. ما توقعك للنتيجة كم نسبة من سيلتزم بالدفع؟!
الإجابة هنا:
http://youtu.be/2SiX7LeMfhU

أما المفاجأة التي لم يتوقعها أحد أن 95% من أهل مصر التزموا تماما ..

كنت أقول للأصدقاء هنا..
التزامكم السلوكي هو خوف من القانون .. لكن أهل بلادنا التزامهم أخلاقي ديني بحت .. لأن القانون غيبوه عنا تماما..

لكن كان التساؤل الدائم..
هل الأخلاق منزعها ديني بحت .. أم أن الدين يوفر داعم لها مع ضرورة وجود أساس لها فعلا في تنشئة الفرد و حياته ..
خصوصا مع الفهم السطحي الذي يجعل من العبادات طقوسا تعبدية حركية و إفراغها من المعاني دون أن يكون لها أثر واضح في سلوكيات الإنسان..

(من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه و شرابه - حديث شريف) من يستحل أعراض الناس و غيبتهم و الافتراء عليهم فلن ينال من صيامه إلا بعض الجوع و العطش !! و تقول الآية الكريمة (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر) فإن لم تنهك عنهما فما معنى الصلاة إذا؟!
هذا أشياء لا تشغل بال الكثيرين .. يُختزل الدين في مظهر عام مؤثر فعلا .. لكن بلا فائدة حياتية في السلوك.. !!

عموما الأمر يحيرني لأن الخبرة الإنسانية تقول أن معيار الأخلاق و السلوكيات العام لم يكن مرتبطا بالضرورة بمدى التدين (بمفهومه الحالي) و المواظبة على العبادات فقط .. لكن لازلت مؤمنا أن الفهم الصحيح للدين يعمل كمحفز للقيم الإنسانية الراقية بإعطائها بعدا أكثر روحانية و ارتباطا بما بعد الحياة ..
من هنا كان المنطلق للسلوكيات العامة للأفراد .. 
بالحس الإنساني و الفطرة السليمة التي لم تلوثها الخبرات السيئة .. ثم بنظام قانوني عادل و حاسم لتثبيت القيم الراسخة.

لا يعني ذلك أن المجتمعات يمكن أن تكون مثالية .. هناك نسبة معتبرة من محبي الشر دائما
أعرف شخصا ألمانيا (طالب دكتوراة) يركب المترو في الأوقات المتأخرة حتى لا يدفع التذكرة و في الليل ليس هناك فرصة لظهور مفتشين .. هو يقضي طول اليوم في العمل إذا ليحل تلك المعضلة ..
هناك أناس يحملون أكياسا معهم لجمع فضلات كلابهم حتى لا يلوثوا الطريق العام .. العجائز أكثر التزاما .. شاهدت في محطة المترو فتاتان فعلها كلبهما و لم تنظفا المكان فجاءت سيدة عجوز تنبههما و أجبرتهما على جمع الفضلات .. 
كنت يوما أشترى أشياء و فتحت الثلاجة في المحل و تركتها قليلا .. لأجد سيدة عجوز تنبهني بضرورة غلقها مباشرة .. أعجبتني فكرة الانتماء و الرقابة الشعبية بهذا الشكل ..
تذكرت زميل في المدينة الجامعية يأخذ بعض الأسلاك من الحائط .. قلت له حرام !! رد بأنه مالنا سرقته منا الحكومة .. أخرسني المنطق تماما !!

أتذكر مقالا رائعا كتبه الأستاذ فهمي هويدي عن موظف بدرجة وكيل وزارة ضُبط متلبسا بالبيع على عربية فول .. فُقدم للتحقيق ثم المحاكمة ..
لكن القاضي الجليل أصدر حكما رائعا حين قرر (بأنه لا يعيب الإنسان أن يزيد دخله لمواجهة أعباء الحياة بشرف بدلا من أن يمد يده لسرقة أو رشوة كما يفعل الكثير .. إنه يستحق التقدير لا المحاكمة) و حكمت المحكمة بخصم بضعة أيام فقط من مرتبه لأنه تغيب فيها في مواعيد العمل نظرا لازدهار عربة الفول) !!

ستجد كثيرون آخرون لم يستطيعوا الصمود هنا ..
طحنتهم الحاجة ففقدوا سلوكياتهم شيئا فشيئا ليتطور الأمر من إكرامية لرشوة لشبكة كاملة من المرتشين .. لا أبرر لأحد فهذه جرائم ..
لكنى أُجرّم الدولة التي وضعت مواطنيها أمام تلك الخيارات القاسية مع قلة الحيلة .. أظنها مقصودة إلى حد كبير دعهم مشغولون في لقمة العيش فلا يستفيقون أبدا .. 
أتذكر الأيام التي كنت أقابل فيها وجوه مصرية في السابعة صباحا لأجد ذات الوجوه المرهقة عائدة بعد منتصف الليل بعد الانشغال في عملين و ربما ثلاثة.. تبدو الدائرة مغلقة عليهم تماما!!
كنت أنظر للميكروباصات الشحيحة تحت كوبري غمرة بينما عشرات من البشر ينتظرون .. فرص الحصول على مكان تبدو محدودة تماما .. كانت مصر تبدو كذلك .. فرص قليلة و بشر كثير .. و الحياة صعبة .. و القواعد غائبة .. كيف تطلب ترف الالتزام الأخلاقي هنا ؟!!

سأحكي حكاية هنا..
بعد انتخاب رئيس ألمانيا الحالي من البرلمان .. و اضطراره للإقامة في برلين .. لم يجد حضانة لطفله .. بينما صديقي المغربي وجد مكانا لابنه في نفس الوقت .. لأن هناك نسبة مخصصة للأجانب لا يمكن تجاوزها حتى لابن رئيس ألمانيا ..
يومها كتبت الصحف عن قلة الأماكن في الحضانات .. كانت قضية رأي عام و ليست قضية ابن الرئيس !!

الخلاصة أن وازع الضمير ضرورة أخلاقية و الدين محفز عظيم .. لكن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ..
شعور المرء بالانتماء لوطن يحترم إنسانيته و يلبي احتياجاته .. و يوفر العدل بلا تمييز لكل أبنائه فكلهم تحت طائلة القانون سواء .. هو الضمانة لمجتمع قادر على النهوض..
و هو ما يسرقونه منا الآن .. بعد أن كاد أن يكون واقعا !!

اللهم إنك عفو كريم حليم تحب العفو فاعف عنا 

رمضان كريم 1: حلو يا حلو رمضان كريم يا حلو .. الكل الآن يتحسس مواضع كلماته (قصة قصيرة)
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200727186196636
رمضان كريم 2: فوجئت أن غدا رمضان .. إنها الجينات المصرية العبقرية!!
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200727728090183
رمضان كريم 3: حين تناولت زجاجة الماء خطأ .. فكان رد المحتالين .. حراااام ..إنت صايم !!
http://www.facebook.com/terkawi/posts/1020075414219051
رمضان كريم 4: هل تزرعون لسان العصفور حقا في مصر يا عبده؟!!! فضحكت بلا انتهاء..
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200759268798681
رمضان كريم 5: حين تأكل الملوخية بعيدانها و أوراقها و لا بديل .. اختراع المخرطة لم يصل هنا بعد !!
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200773724440063
رمضان كريم 6: الوطن .. مرة أخرى
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200769880223960
رمضان كريم 7: في انتظار جودو .. 
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200786943330527
رمضان كريم 8: العاشر من رمضان و حكايات أخرى
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200791271758735
رمضان 9: فنظر لي بعيني الزومبي قائلا : ما بتعرفش ألماني ..ههه؟!
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200793001081967
رمضان كريم 10: عن البلاد التي يقصر ليلها و يطول نهار صيامها
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200809416292337
رمضان كريم 11 : نحن أفضل كثيرا مما نظن
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200825221727463
رمضان كريم 12: نحن أفضل كثيرا مما نظن (١)
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200859215017274
رمضان كريم 13: عالم المعجزات
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10200871923734984

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق